جلس عميل مكتب المباحث الاتحادية (إف بي آي) والإمام إلى طاولة خشبية طويلة في مركز للشباب في بروكلين في آغسطس الماضي.
توازن دقيق
المقالة الثانية من ثلاث مقالات:
Part 1: A Muslim Leader in Brooklyn, Reconciling 2 Worlds (March 5, 2006)
Part 3: Tending to Muslim Hearts and Islam's Future (March 7, 2006)
توجه العميل إليه فجأة بسؤال: هل من الممكن أن يبلغ الإمام عمن يشتبه بضلوعه بالإرهاب؟
إعتدل السيد شطا في كرسيه، ونطر إلى العميل بعينين فاحصتين، فقد مر ما يقارب العام منذ أن احتجزت السلطات شابين - أحدهما من رواد المسجد الذي يأم فيه الشيخ رضا – بتهمة التخطيط لتفجير محطة أنفاق ميدان هيرالد في منهاتن. حينها أحيط المسجد بما يشبه الحصار، ناقلات البث التلفزيوني ملأت الحي، بينما اشتاط رواد المسجد غضباً عندما علموا أن مخبراً للشرطة أمضى بينهم أشهراً.
في ذلك الإجتماع، بدأو:أن الإمام كان يختار ألفاطه بعناية ، فالـ( إف بي آي) – كما قال – ليسوا وحدهم من يريدون منع الإرهاب ، فالمسلون أيضاً يريدون الحفاظ على هذا البلد آمناً.
"سأسلمه إليك" قال السيد رضا أخيراً وهو يشير بأصبعه نحو العميل مارك ميرشن ( المسؤل الأعلى لمكتب التحقيقات في مدينة نيويورك) ، ثم إستطرد قائلاً: " ولكن لست لأني خائفاً منك."
كانت تلك إحدى أصعب لحظات التحدي لإمام في أمريكاك يعيش في مركز دين تحت المراقبة. فالسيد شطا تحت ظغط دائم لتقديم المساعدة للجهات الرسمية ، وفي نفس الوقت ، عليه أن يحتفظ بثقة المصلين الذي يشعرون بأنه يتم تقصدهم دون غيرهم و بشكل غير عادل . والحفاظ على التوازن هو أمر بالغ التعقيد. فهو أمر يتطلب الرغبة في التعاون ، ولكن في ذات الوقت عدم السماح لها بسحقك ، و تتطلب أن يشعر المرء بالفخر بإخوانه من المسلمين، وفي نفس الوقت أن يدرك أيضاً أنه قد تكون ثمة تهديدات بينهم.
"الأمر برمته أشبه بالسير على الحبل ..فعليك أن تعطيى المسلمين الإحساس بأن الشرطة ليسوا وحوشاً ، وعليك أن تقنع الشرطة بأن الأئمة ليسوا جميعاً وحوشاً.. وأن تعطى الشرطة لإحساس بأن المصلين هم في الإساس أناس محترمين.
كشف قضاء أشهر مع الإمام في تنقلاته حول المدينة وفي مسجده عند تعقيد عملية طلب الأئمة في الولايات المتحدة. في العالم الإسلامي يعرف الأئمة بأنهم مقيمو الشعائر ، هنا يصبحون قادة الجالية و وسطاء بين مجموعات المهاجرين والأرض الجديدة. وعندما تصتدم التقاليد الإسلامية مع الثقافة الأمريكية فليس هناك غير الأئمة لتقديم أجوبة جديدة. وفي خارج المسجد ، هناك إعتقاد سائد بأن الأدوار العامة لرجال الدين تجعل منهم ما يشبه البعثات الدبلماسية لأديانهم.
غير أنه في سنوات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر ، أفسحت الدبلماسية الطريق أمام الدفاع عن الناس. فبالنسبة للإئمة أمريكا ليس هناك من موضوع أكثر سخونة من الإرهاب. وعلى الرغم من أنهم أنفسهم تحت المراقبة ، إلا أنه يطلب منهم مساعدة السلطات في تخطي حواجز الخوف المضروبة حول جالياتهم. الكثير منهم مترددون ، فهم قلقون من أن تقديم المساعدة ستقود إلى التحقيقات غير المصرح بها قانونياً ، أ و بفقدان مصداقيتهم على المنبر.
في مسجد السيد شطا ، يستطيع الناس سرد لائحة من القضايا غير الأكيدة بسهولة سرد آيات من القرآن ، مثل قضية المغربة الثلاثة الذين تم إتهامهم ظلماً بأنهم خلية نائمة ، أو المحامي المسلم براندون ميفيلد ، والذي أشتبه ظلماً أيضاً بعلاقته بتفجيرات مدريد ، ثم هناك أيضاً قضية المراهقتين من مدينة نيويورك واللتين تم إحتجازهما لإسابيع بدون توجيه أي تهمة إليهما ، بعد أن أشتبه بهما الـ ( إف بي آي) بأ،هما تريدان تنفيذ عمليات إنتحارية.
وفي الوقت نفسه لابد على الأئمة أن يكسروا الصورة النمطية عنهم ، والتي تحددها بعض أهم القضايا ، كقضية الشيخ عمر عبدالرحمن ، رجل الدين المصري الكفيف ، والذي حكم عليه في عام 1995 بتهمة التخطيط لتفجير معالم في مدينة نيويورك.
الإئمة من أمثال السيد شطا - ممن يعتتنقون مفهموم الحرية الأمريكية ويعرضّون بالرديكاليين ممن يعتبرونهم أنهم أساؤا للعقيدة – لاتهتم بهم وسائل الإعلام.
السلطات الرسمية تعرف السيد شطا جيداً ، وتتواصل معه بشكل رائع ، وغالباً ما يلجئ ضباط مخفر الشرطة في المنطقة إلى السيد شطا للمساعدة عندما يرفض المسلمون في بيريدج الإدلاء بأقوالهم. ويصف تشالز فرهام – أحد ضباط الـ إف بي آي في وحدة مكافحة الإرهاب في مدينة نيويورك – علاقته بالسيد شطا بأنها "إيجابية جداً" ، وكان موجوداً في اللقاء الذي شهد تحدي السيد ميرشن للإمام ، حيث كانت قيادة الجالية قد وافقوا على الجلوس إلى عملاء الـ إف بي أي في محاولة لتحسين العلاقة بين الطرفين. ويؤكد السيد فرهام قائلاً: " أنا معجب جداً برغبته التي عبر عنها في عمل الأصلح والأفضل."
بالرغم من ذلك فهذا النوع من التعاون يخلق مشاعر متضادة في نفس السيد شطا. فعلى الرغم من قدرته على إثارة المرح والحبور في مخفر الشرطة 68 ، محولاً بذلك محاضرة عن التعامل مع الحساسيات الثقافية إلى ساعة من الكوميديا ، إلا أنه في القوقت نفس – وبصمت – يشعر بالغضب من أن هناك سيارة غير معروفة تلازم أحد أكثر أعضاء مجلس أمناء المسجد أحتراماً.
ويشعر الإمام بالحزن لرؤية الكثير من المسلمين يغادرون الولايات المتحدة بسبب قوانين الهجرة أو بسبب الخوف واليأس معاً ، وهو كذلك يشعر بالخوف على من بقى منهم ، يخاف على المراهق الذي بدأ يواظب على حضور صلاة الفجر بعد أنجرف عن المدرسة الثانوية ، مما تركه غريباً ومعزولاً.
ومع ذلك يقول السيد شطا أن الآثار المدمرة لإحداث سبتمبر تؤجج مشاعر الغضب والخوف – بغض النظر عن عمق الشعور بهما - عند الأمريكيين من غير المسلمين. ، ويؤكد على أ، : " الأمر سيتطلب منهم بعض الوقت حتى يصلوا إلى توافق معنا."
المتطلبات من السيد شطا كانت كثيرة بعد أن وصل إلى بيريدج بعد عام من أحداث سبتمبر. فالكارثة أ؛اطت بأحياء المسلمين في نيويورك ، وأنتشرت قوى القانون تفتش محلاتهم ومنازلهم ، وأحتجزت المئات من الرجال للإستجواب. النساء أيضاً لقين مضايقات في محطات وقطارات الأنفاق ، والمدارس خسرت طلاباً مسلمين بعد أن غادروا البلاد مع ذويهم.
محمد موسى – الذي جاء السيد شطا ليخلفه – كان قد أعتصر تماماً ويؤكد على ذلك : " كنت في حاجة للتغيير وإلا تحطمت " ، ويعمل السيد موسى الآن إماماً ( من أحد ثلاثة أئمة ) لأحد أغنى المساجد في مدينة يونين في ولاية نيوجرسي.
لم يمتلك التجمع الإسلامي في بيريدج - مثله في ذلك مثل الكثير من المساجد في أحياء المهاجرين المتعثرة – الكثير من الخيارات إلا أن يبحث عن بديل في الخارج. أمريكا لا تخرّج إلا القليل من الأئمة الذين يمتلكون الصفات التي يبحث عنها المسلمون المولودون في الخارج. فهم يريدون أماماً يجيد القرآن الكريم قراءة وحفظا بالإضافة إلى الطلاقة في اللغة العربية .
كان السيد شطا مرشحا ً قوياً ، فهو – مثله في ذلك مثل سلفه السيد موسى – تلقى تدريبه الدينى في جامعة الأزهر في القاهرة ، وهو قلعة من قلاع المعرفة الإسلامية. وقد عثر السيد موسى على السيد شطا عبر أحد مدرسي الأزهر ، بينما كان يعمل إمامً في المانيا.
سر الرجال في مجلس الأمناء عندما وجدوا أن إماهم الجديد يتمتع بشخصية كاريزمية ، فالمسجد المبنى من الطوب الأبيض والمطل على الجادة الخامسة ، يعتمد إعتماداً أساسياً على تبرعات رواده ، ولا يستطيع جلبهم إلا خطيب مفوه.
وبعد وصلوله بفترة وجيزة ، أدرك السيد شطا بأن هناك أيضاً جمهورا أقل ظهوراً: الجواسيس والمخبرين. فالمساجد على إمتداد المدينة مملوئة بالمخبرين المزروعين بين جموع المصلين ، لغرض تصيد ما يسميه المسؤلون بـ"الخطاب المزدوج" ، ويقصدون بذلك الأصوات الداعية إلى التشدد داخل المسجد ، وفي الوقت نفسه إلى التسامح خارج المسجد." لم يثر التركيز عليه حفيظة السيد شطا ، فليس لديه – كما يقول – ما يخفيه:
"صفحتى بيضاء"
وعندما جاءت اليه السلطات تطلب منه المساعدة ، كان عليه أن يختار : فإما أن يرحب بهم وبالتالي يحسن من المظهر العام للمسجد ، أو أن يرفض إستفساراتهم مع المجازفة بأن ينظروا إليه لعائق للعدالة.
ويشير النائب الجمهوري بيتر كينج – رئيس لجنة الأمن الوطني في مجلس الشيوخ – إلى أن : "هناك حائط من الصمت مضروب حول هذه المساجد" ، ويستطرد : " ولايعني هذا بالضرورة إنخراط الإمام نفسه في أنشطة مريبة ، إلا أن بعضهم قد يتعمد التغافل عن بعض الأمور ، مما يسمح للبعض بالقيام بأنشطة مريبة في مسجده ..وقد تكون أنشطة خطيرة."
إلا أن السيد شطا يرى أن التعاون واجب إسلامي ويقول: " من يخاف الحوار لابد أنه يخفي شيئاً"
مسجد تحت الميكروسكوب
لعل أصعب الإمتحانات التي مرت بها علاقة الشيخ رضا بمكتب التحقيقات الفيدرالي هي تلك التي تلت إلقاء القبض على أحد رواد المسجد من الشباب بتهمة التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية. كان شهوار متين شراج ( 23 عاماً ) مهاجراً باكستانياً ثرثار ، يعمل في المكتبة المسلمية الملتصقة بالمسجد. كان هذا الشاب يشاهد كثيراً أثناء عمله وهو يتحدث إلى جيمس الشافعي (21 عاماً) وهو أمريكي مسلم ، ذو نبرة رقيقة.
وفي أغسطس الماضي تم إتهامهما في المحكمة الفيدرالية بتهمة التآمر لتفجير محطة أنفاق شارع 34 في ميدان هيرالد ، وتم تصويرهما من قبل مخبر - كان قد أخبرهما أنه عضو في جماعة إسلامية -وهما يناقشان الخطة .
في الأيام التي تلت إلقاء القبض عليهم ، تداعى المراسلون على بيريدج وتلقت المكتبة الإسلامية بعض إتصالات التهديد. و وصلتهم رسائل تهديد كثيرة كتب في إحداها: " إنكم ميتون"
أكتشف الإمام والمصلون بأنهم يعرفون المخبر ، رجل مصري أبيض الشعر يسمي نفسه أسامة داودي . ويتذكر السيد شطا أن الرجل كان دائم القول : " أنا أسمي أسامة كأسم أسامة بن لادن"
كان السيد داود ي قد ظهر في المسجد قبل ذلك بعام – كما يقول السيد شطا – وحاول أن يغري الإمام ببعض الصفقات العقارية ، حيث يستخدم الإمام تأثيره على المصلين لدفع بعض الأموال إلى السيد داودي مقابل أن يحصل الإمام على عمولة سرية. إلا أن الإمام لم يرد أن تكون له علاقة بشئ من ذلك ، ولذا احتفظ بمسافة بينه وبين الرجل ، خصوصاً وأن الإمام وجد السيد داودي رجلاً غير مريح. فهو يدعى أنه أبناً لشيخ مصري شهير ، وكان ينخرط في بكاء حاد أثناء الصلاة إلا أنه كان يدخن أيضاً ، ويعلق السيد رضا على ذلك: " الإستقامة في الإسلام لا تجيز التدخين."
وكان أكثر الأمور الغريبة في السيد داودي – كما يقول الإمام – هي نبرته العدوانية الحادة. ويقول السيد شطا أن السيد داودي إشتكى خلال إحدى زياراته له أن الأمريكيين يخشون منه لأنه يحمل دكتوارة في الهندسة النووية. ويقول الإمام أنه قال للسيد داودي ذات مرة: " طالما أنك لم تفعل شيئاً خاطئاً فافتح قلبك ومنزلك للناس" ولعل السيد داودي لم يجد الإمام مثيراً للإهتمام- كما يقول السيد شطا- فاتجه بإهتمامه إلى السيد متين سراج والسيد الشافعي.
وقد بدأ هذا المخبر – كما يؤكد السيد مارتن ستولار ، محامي السيد سراج – بإستدراج السيد سراج إلى الخطة وبدأ يتدارس معه مفاهيم الجهاد الدموي.
السلطات لا تتحدث كثيراً عن القضية ، والتي ستنظر فيها المحكمة الشهر القادم ، ومحاولة الوصول إلى السيد داودي بائت بالفشل.
وقد رفض المتحدث بإسم إدراة الشرطة بول براوني إداعاءات محامي السيد سراج من أن الشرطة هي التي صنعت الخطة قائلا: " نحن لم نقترح شيئاً ..نحن فقط قمنا بإتخاذ التدابير لمنع حدوث الخطة ، وهناك فرق كبير بين الإمرين." ويؤكد السيد براوني أن الشرطة كانت تعرف دائماً أن للسيد سراج ميول عدوانيه حتى قبل إتخراط المخبر.
بالنسبة للإمام ..تلاعب المخبر لم يكن مفاجئاً ، فهناك نظرة عامة بين المسلمين في بيريدج أن المخبرين ليسوا أهلاً للثقة ، ذلك أن لهم سوابق إجرامية ، بإلإضافة إلى تلقيهم أموالاً مقابل معلوماتهم. وهذه النظرة لا تروق للسيد فرهام ، الذي ؤكد أنه يتم إنتقاء المخبرين بدقة ، وأن دوافعهم غير ذات بال طالما أنهم يقدمون معلومات صحيحة.
ويحذر السيد فرهام ، والذي بذل الكثير من الوقت ، في بناء جسور الثقة مع الجالية ، الجالية من التعامي عن أي أنشطة مريبة ، قائلاً: " لايمكنكم أ، تلعبوا دور أمريكيين جزئياً ( بارت تايم)"
من حصى الإهانات
سيطر الغضب بسهولة على المسجد ، وبقي سؤال هادئ ومزعج في الوقت ذاته: ماالذي دفع بهذين الشابين - بغض النظر عما إذا كان قد تم التغرير بهما أم لا - للتفكير في أعمال إرهابية؟
يبحث الأمام عن إجابات في الجمع المحتشد على الرصيف خارج المسجد.
فقد مانت هناك دوماً شريحتان إجتماعيتان على هذا الرصيف المتآكل والممتد على طوال الجادة الخامسة. فبعد صلاة الجمعة يمتلئ هذا الجزء بالعرب من المصريين والفلسطينين ممن أشتعل رؤسهم شيباً ، وبدأت تعاني الصلع. وليس بعيداً من ذلك ، وبالقرب من قوس دار السينما المجاورة ، يتحلق المراهقون من العرب.
قبل أحداث سبتمبر نادراً ما أختلطت تلك الشريحتان ، إلا أن وفي السنوات التي تبعت الأحداث ، عاد الكثير من هؤلاء المراهقين إلى دينهم.
ويقف الإمام الآن يلقي خطبه أمام صفوف من الشباب ، بعضهم يريدي صرعات الموضة الشبابية الصارخة. الكثير منهم جاؤا لتعلموا أكثر عن دينهم حتى يستطيعون الدفاع عن مدراسهم أو أعمالهم ، والبعض الآخر ببساطة فقدوا إنتمائهم نظراً لتجاوزهم في فرص الأعمال ، أو لتوقيفهم المتكرر ومسائلتهم من قبل السلطات.
ما يقلق الإمام أكثر من أي شئ آخر هم هؤلاء الشباب وشعورهم بالعزلة ، ليصبح المسجد ملاذهم الوحيد. و أنتشرت بعد أحداث سبتمبر المقاهي العربية على إمتداد الجادة ، ممتلئة بالشباب ودخان الأرجيلة. ذات مساء قال السيد شطا: " قرأت مرة مثلاً أسبانياً يقول: سئل حائط الكراهية من أي شئ بنيت؟ فأجاب: من حصى الإهانات."
لما يزيد عن ثلاثة عقود أدى إنسحاب المهاجرين الأوروبيين إلى إفساح المجال أمام محلات عربية للحلاقة والجزارة وحتى للمجوهرات. غير أن هؤلاء الجدد ليسوا مرحباً بهم دائماً. "هذه لم تعد بيريدج ، إنها بيروت" هكذا هتف راسل كين ، ضابط متقاعد شغل وظيفة مسؤل شئون المنطقة في مخفر شرطة 68.
وحتى الإمام لم يسلم من الإساءات. ففي ذات مرة سألته إمرأة كانت جالسة إلى جانبه في الطائرة عما إذا كان مسلماً ، ثم أصرت على تغيير مقعدها. والسيد شطا – والذي نشأ مرتدياً الجلابية المصرية الطويلة ، يسافر الآن مرتدياً بذلة ، غير أنه لا يزال يحارب الإنعزال بقلب مفتوح. فهو خليط متزايد من الشرق والغرب ، يمشى إلى المسجد في جلابيته البيضاء بفخر ، ويخترق بها البرد مرتدياً قبعة صوفيه تحمل شعار ولاية نيويورك ، ويقول: " أشعر أنني أعيش في بلدي."
هناك رسالة يرددها أينما ذهب مفادها أن الإنسان لابد أن يكون دواءً للكراهية. يجلس إلى الشباب حديثي السن في مساجد نيويورك ، ويطلب منهم إلا ينتظروا دعوة لإحتضان أمريكا ، حتى لو شعروا بانه يتم تقصدهم ، فأمريكا - كما يؤكد السيد شطا – تظل أكثر بلدان العالم حرية ، ولذا فالإمام يخطط للبقاء " إلى أن يشاء الله" ، خصوصاً وأنه حصل على الكرت الأخضر في نوفمبر الماضي.
يعرف السيد شطا أغلب رواد المسجد شكلاً ، ويعرف 400 منهم بالأسم ، وغالباً مايثير حفيظته رؤية حدث إلتزم فجأة ، فيحاول أن يفهم سبب ذلك الإلتزام :أهو الإيمان أم الشعور بالعزلة؟ إلا أن الوصول إلى إجابة مقنعة ليس بالإمر اليسير.
ويشارك ضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي الإمام شعوره ذاك ، يقولون أن المكتب بدأ مؤخراً بالتركيز على فئة الشباب من المسلمين ، خصوصاً بعد أن كشفت التحقيقات أن تفجيرات لندن في يوليو الماضي قام بها شباب ممن نشأوا في بريطانيا. ويتفق السيد شطا والسلطات على أن الشباب هو اكثر الفئات تقبلاً لرسائل العنف، ولذا فهو يحرص على أن يقول لمستمعيه من الشباب أن : " الإسلام دين يقوم على التفكير ، فالإسلام يقول لك: لا تغلق عقلك..ولا تتبع عواطفك ..لا تتبع الشيخ ، فلربما كان لك عقلاً أفضل من عقله" ، ويؤكد لهم: " إذا ما أسأتم التصرف ، فأنتم تسيؤن إلى العالم الإسلامي برمته."
إمام واحد وجماهير عديدة
جلس الشيخ ذات مساء في غرفة إستقبال مرتبة في مبنى من الطوب في كوينز ، كانت أسرة مصرية قد دعته ليبارك عضو جديد في العائلة – طفلة ذات 5 أسابيع. كانت الصغيرة نائمة وهي ملفوفة بقطع من القطن الوردي الناعم ، بينما كان شاشة الجزيرة تعرض خبر مقتل دبلماسيين جزائريين في العراق.
شعر السيد رضا بالضيق من وصف القاتلين للضحايا بـ"الكفار" ، و أكد أن على العالم أن يتفق على تحديد مفهوم للإرهاب: " ماقد أراه إرهاباً ، قد لا تراه أنت كذلك."
هناك القليل من المواضيع المعقدة التي تمتحن إنتماء السيد شطا ، مثلما يفعل موضوع الصراع العربي الإسرائيلي. فالكثير من الفلسطينيين يرتداون المسجد ، وعندما يتحدث في موضوع ذلك الصراع ، لا يملك المرء إلا أن يشعر أنه يتحدث إلى أكثر من جمهور.
فالسيد شطا يختلف - مثله في ذلك مثل العرب في جميع أنحاء العالم - إختلافاً جذرياً مع موقف أمريكا الداعم لإسرائيل ، وهو ينظر إلى حماس كرمز قوي للمقاومة.
وعندما أغتيل الشيخ أحمد ياسين في مارس من عام 2004 ، خاطب السيد شطا المئات ممن تجمعوا في سرداق العزاء في بروكلين قائلاً: " لقد أستشهد أسد فلسطين" . وأثنى الإمام في خطبة أخرى على ريم الرياشي، والتي فجرت نفسها في عام 2004 في معبر بين غزة وإسرائيل لتقبل أربعة إسرائيلين. ويصف السيد شطا المرأة بـ "الشهيدة"
وعندما سئل السيد شطا عن ذلك بدا – ولأول مرة - متناقضاً. فقد إستطاع تكوين صداقات مع أحبار في نيويورك، وهو أمر لم يكن يتصوره أبداً في مصر . والإنخراط في نقاش حول الصراع لايجلب – عادة – سوى التعارض الحاد داخل مسجده. يقول السيد شطا : " أشعر بالقلق من أن هذا قد يسبب مشكلة لأخواني من اليهود." فهو نادراً ما يتطرق إلى الموضوع في خطبه و دروسه ، ويعرض له على مضض في مقابلاته.
يقول السيد شطا: " أنا لا أقبل العمليات الإنتحارية التي تستهدف المدنين في أي مكان وفي أي زمان" ، وفيما يخص الهجوم على الجنود الإسرائيلين ، يرى السيد شطا أنها " وسيلة دفاع مقبولة..فالإسرائيليون قتلوا النساء الفلسطينيات ، ودمروا بيوتهم ، وأخذوا أراضيهم وثرواتهم و حولوهم إلى لاجئين ، في حين أن الفلسطينين لايملكون القدرة الحربية للدفاع عن أنفسهم". وفي حين أن القانون الإسلامي يحرم العمليات الإنتحارية - كما يقول الشيخ – إلا أن القرآن يؤكد على حق المسلمين في الدفاع عن أنفسهم.
وكانت السيدة ريم الرياشئ قد قتلت جنديين وضابط شرطة حدود وحارس أمني بالإضافة إلى جرح آخرين من فلسطينين و إسرائيلين.
ويعرف السيد شطا أن رأيه هذا يلاقي معارضة كبيرة من غير المسلمين ،على الرغم من أنه الرأي الأكثر شعبية بين العرب. ويؤكد أن رأيه لايلاقي ترحاباً حتى من قبل رواد مسجده فيقول: " بعض المسلمين – إذا سمعوا هذا – سيخرجونني من الإسلام لإنهم يعتقدون أن هذه العمليات واجبة ، وهنا آخرون ممن يشعرون أنها جميعاً محرمة." ويضيف السيد شطا في إستنكاره للإرهاب في الغرب رسالة يشعر أنها نادراً ما تسمع ، فبعد تفجيرات لندن العام الماضي ، عقد هو والعديد من المسلمين مؤتمراً صحفياً في بروكلين .. ولم يأت أحد. ويؤكد السيد شطا على أن الإرهاب يخالف تعاليم الإسلام قائلاً: " احس أني أتنفس تحت الماء أو أصرخ في صحراء.. فلا أحد يجيب."
ففي خطبة الأولى - والتي ألقاها كجزء من تقليد سنوي في ذكرى أحداث سبتمبر بدأه في عام 2003 ، وتعكس تلك الخطب الثلاث رحلة الإمام في أمريكا ، كانت نبرته توافقية ، حيث تحدث عن طبيعة الإسلام السمحة. وفي عام 2004 طلب من الجالية أن تحترم القانون وأن يثقوا من أن أمريكا ليست العدو. وفي خطبته الثالثة في سبتمبر الماضي إزدادت لهجته حزماً وهو يقول: " نريد من الولايات المتحدة أن تكون عادلة في قضايانا " وأكد السيد شطا على أن المرء " لاينبغي أن يشعر بأنه تحت المراقبة في كل كلمة يقولها ، وكل حركة يقوم بها ، وكل توقيع يضعة."
ويستطرد السيد شطا مؤكداً أن : " المسلمون معزولون ، إلا أنهم يرغبون بأن يتم قبولهم" ، وشبههم بأسلافهم منذ ما يقارب 14 قرناً ، ممن طلبوا اللجوء من ملك الحبشة. وكرر السيد شطا كلمات رئيس تلك الطائفة : جعفر بن أبي طالب وهو يقول: " أيها الملك ، قدمنا إلى بلادك وأخترناك على من سواك و رجونا ألا نظلم عندك."