Skip to article
إمام في أمريكا

العناية بقلوب المسلمين وبمستقبل الإسلام

تاريخ النشر: 7 مارس 2006

لايختلف الشاب المصري المهني عن أي شاب أعزب في نيويورك.

Skip to next paragraph
James Estrin/The New York Times

يقول الشيخ رضا شطا الذي يشجع الزواج ويبارك المواليد كجزء من عمله كإمام: "الحياة الزوجية في الإسلام عبادة".

إمام في أمريكا
السعي للزواج

ثالثة مقالات ثلاث

Part 1: A Muslim Leader in Brooklyn, Reconciling 2 Worlds (March 5, 2006)

Part 2: To Lead the Faithful in a Faith Under Fire (March 6, 2006)
Multimedia
Related

Muslims in America (March 4, 2006)

James Estrin/The New York Times

يقيم السيد شطا مراسم الزواج أسبوعيا مواجها تنوعا في أمريكا لم يكن يتصوره في مصر. هنا يزوج امرأة إكوادورية بشاب سوري، مع أنه لن يجعلها تسلم حتى تتعلم المزيد عن الإسلام.

James Estrin/The New York Times

بالنسبة للسيد شطا، فإن الزواج الإسلامي كهذا هو مناسبة سعيدة. ولكن عندما لا يكون الاحتفال تقليديا ولا ترتدي فيه النساء ملابس ساترة وتختلط بالرجال، فقد تشكل المناسبة تحديا أيضا.

James Estrin/The New York Times

أثناء كتابة عقد زواج، يرجع الشيخ رضا شطا إلى مصحف الجيب الذي يحمله معه دائما.

James Estrin/The New York Times

السيد شطا يعانق ابنته رحمة، 6 أعوام، بينما تحمل زوجته أميمة طفلهما محمد رشيد. وخلفه ترتاح ابنته روضة، سبعة أعوام، بعد واحدة من نوبات الصرع التي تعاني منها، وهي تلازم المنزل وقد سبب مرضها محنة للأسرة.

James Estrin/The New York Times

تجتمع النساء في المسجد لصلاة الجمعة. وسيشاهدون الإمام عبر تلفاز الدارة المغلقة من طابقهم الذي يقع تحت طابق الرجال. وعلى الرغم من الفصل، فقد نمى السيد شطا رابطة قوية مع النساء وكثيرا ما يقدم المشورة لهن.

مرتدياً قميصاً بعلامة (بولو) التجارية ، ومغرقاً في عطر نفاذ، يقود سيارته ( نيسان ماكسيما) في شوارع منهاتن الزلقة بماء المطر ، ويسابق بها الريح ، في محاولة للحاق بموعده مع فتاة سمراء طويلة. عند إحدى الإشارات المرورية الحمراء يتوقف ويصلح من حال شعره.

مايميز هذا الشاب الأعزب -عن غيره ممن يبحثون عن الحب - هو مرافقه إلى هذه المناسبة الإجتماعية، والذي يجلس إلى جانبه بقامته الطويلة وثوبه الأبيض وكوفيته الصلبة المطرزة. يثب المرافق – الشيخ رضا – حزام الأمان ويطلب من الأعزب تهدئة سرعته ، ثم يقول: "أسأل الله أن يؤلف بينهما"

يعمد غيرالمتزوجين من المسيحيين إلى إحتساء القهوة معاً ، بينما يفضل الشباب اليهود ما يسمى مواعدات جيه (جيه ديت) ، إلا أن الكثير من المسلمين يعتقدون أن من المحرم أن يختلي رجل وأمرأة غير متزوجين ببعضهما.في البلدان ذات الأغلبية المسلمة ، غالباً ما تقوم الأسرة أو الأصدقاء بمهمة تعريف الشاب والشابة ببعضهما ، في بروكلين... السيد شطا يقوم بذلك.

يتقاطر المسلمون على السيد شطا أسبوع بعد أخر ، فهو يشرف على لائحة من 550 طالب زواج ، تمتد القائمة وتتنوع من الكهربائي ذو السن الذهبية إلى البروفيسور في جامعة كولومبيا.

تتم المقابلات في الغالب على كنبات مكتبه المخملية ، وأحياناً على وجبة طعام في مطعمه اليمني المفضل على جادة أطلانتك.

جاء هذا المصري المولع بالكتب إلى أمريكا 2002 ليأم الصلوات لا ليقدم العزاب إلى بعضهم ، فهو أمهر في أمور الفقه الإسلامي منه في شئون القلوب. إلا أن على الأئمة الأمريكيين أن يرتدوا قبعات كثيرة ، ليس منها واحدة مفصلة خصيصاً لأي منهم. وتتنوع المهام من إصدار فتاوي تراعي الواقع الأمريكي ، إلى إعطاء المشورة لمهاجر يفتقد وطنه ، إلى التوسط في حل المشاحنات في الحي ، إلى الإجابة على أسئلة مكتب التحقيقات الفيدرالي. فالسيد شطا يسير في شبكة من المشاكل التي لا تنتهي.

وإذا كان هناك ثمة ما يمكن إقتحامه ، فهي بالتأكيد وحدة العزاب والعازبات المسلمين. ليس ثمة ما يدخل السرور في قلب الأمام مثل إقتيادهم إلى الزواج. فهذه هي طريقته في تشكيل مستقبل دينه. وهي طريقة لها منحيات كثيرة تتنوع من مواقف تقدير إلى أخرى كوميدية وأحياناً تبعث على الغيض أو باعثة على الأمل ، إلا أنها تظل الطريقة الأكثر ملامسة لشغاف القلوب في تفعيل الإسلام في أمريكا.

ذاعت مهارة الإمام لمسافات بعيدة ، فجاءت بمكالمات من يشعرون بالوحدة من شيكاغو ولوس أنجلس وحتى من الشرق الأوسط من أباء في القاهرة ودمشق. ومما يقارب 250 موعد ، إستطاع السيد شطا أن يخرج بعشر زيجات.

يقول السيد شطا، 37 عاماً ، –على لسان المترجم :"الرسول (صلى الله عليه وسلم ) يقول أن من جمع رجل وأمرأة ، فكأنما عبد الله سنة" (بالرغم من ذلك)...فالمهمة ليست باليسيرة.

فالإمام يشتكي أن بعض المهاجرين - في بلد مليئ بالخيارات - يصبح من الصعب إرضائهم، وقد يصل الأمر بهم أحياناً إلى درجة يصبحون فيها غير لطفاء على الإطلاق. ففي إحدى المرات، درست أمرأة إحدى صور شخص – ذو عينين دائريتين حمرواوين – رشحه الشيخ لها ، وهتفت:" هل جئت لي بسكير؟" وفي حادثة أخرى - كما يتذكر الإمام - حملق رجل مصري في أمرأة مغربية جميلة مسطحة الصدر وقال: " إنها تشبه اللوح!"

"لايمكن أن يحصل هذا في مصر أبداً" يقول الأمام وقد أحمر وجه عند تذكر تلك الحادثة، "أبداً..أبداً" يواصل حديثه ، " لو عرفت أن ذلك الفتى كان بلا أخلاق لما سمحت له بدخول مكتبي"

الدفتر الأسود الصغير

مفهوم التودد في الإسلام ، تماماً كما هو الحال مع أكثر مفاهيم هذا المعتقد ، مفتوح للتفسير. فالقانون الإسلامي يؤكد على عدم جواز إختلاء رجل وأمرأة غريبين ببعضهما. بعض المسلمين يرفضون الإختلاط قبل الزواج ، و البعض الأخر لا يجد حرجاً ، بينما تقع طائفة منهم في المنتصف من تلك الحالتين ، فتتم المقابلات في مجاميع عامة ، وقد تتم الخطبة مما يتيح لهما قضاء بعض الوقت منفردين قبل الزواج بينما يسوغ الآباء لأنفسهم ذلك. فأحد الشباب السوريين لايجد بأساً في لقاءات المقاهي العامة طالما أنها تبدء وتنتهي هناك. فالمكان العام هو مرافقه اليقظ.

السيد شطا تقليدي بطبعه. فلم يكن هناك الكثير من الغرباء في قريته الزراعية: كفر البطيخ في شمال شرق مصر. فهناك..غالباً مايوافق الرجال والنساء على الزواج في نفس اليوم الذي يتقابلون فيه. ومن النادر أن يتعرف المرء على شخص غريب من محافظة أخرى ناهيك عن بلد آخر.

نيويورك ليست فقط عاصمة العالم ، كما يمزح بعض الأئمة ، ولكنها أيضاً تقاطع لطريق الإسلام ، فيها تنوع بشري لايوجد في أي مكان آخر ما عدى مكة في موسم الحج السنوي. و وراء مقاطعات المدينة الخمس ، إستطاع المهاجرون المسلمون إقامة نقاط إتصال في كاليفورنيا و إلينويز وميتشغان وتكساس.

و يقف في منتصف نقاط الإتصال تلك مشهد مألوف في أرض غريبة: المسجد. فما كان مجرد مكان للعبادة في باكستان أو الجزائر أصبح في هيوستون أو ديترويت جنة إجتماعية ، ومع ذلك يظل الجنسان في داخله مفصولين عن بعضهما بشكل كبير.

عدد متزايد من المواقع الإسلامي تقوم بالإعلان عن راغبي الزواج ، وربات المنازل غالباً ما يصبحن خاطبات أيضاً. أحد المساجد في برينستون نيوجيرسي ، إستطاع أن يلعب دور المضيف ذو الإشراف المباشر على نوعية من تلك اللقاءات. بينما قام التجمع الإسلامي في بوسطن بتكوين لجنة خاصة لتعريف رواد المسجد من الراغبين في الزواج ببعضهم البعض.

في رمضان الماضي حث أحد الأئمة في بروكلين - بسبب خوفه من زيادة نسبة العوانس - الأثرياء من رواد المسجد على التزوج بأثنتين. وعندما أشتكت أمرأة ذلك إلى السيد رضا ضحك وهو يقول لها سائلاً:

"هل تعرفين ذلك المبشر الذي دعى إلى إغتيال هوغو شافيز؟" ثم إستطرد: " نحن عندنا أغبياء أيضاً."

السيد رضا لا يرى في نفسه فقط معرّفاً ( للشباب والشابات) ، وإنما وصي لحديثي السن من المسلمين ، والذي يعيش الكثير منهم بعيداًعن ذويهم. ففي أمريكا ، لايصلح لهذا الدور إلا إمام لما له من علاقات وحكمة وأحترام.

اللقاءات التي يرعاها السيد شطا تتم في مكتبه الغير رومنسي. يجلس مرشحي الزواج مع بعضهما بين صفوف من الكتب الإسلامية ، بينما يجلس الإمام في صمت على مكتبه يكتب خطبة أو يقرأ موقعي الأخبار سي إن إن أو البي بي سي العربيين. فإذا ما أمتدت لحظة صمت غير مريحة ، هتف الإمام في مرح: " قولي لي يا إلهام ، كم لك من الأقارب ؟" وإذا بالمحادثة تعود إلى الحياة من جديد.

يتم إختيار المرشحين بعناية فائقة ، ولا يتم قبول من ليس لديهم من يزكيهم. مع ذلك تظل الغريزة هي أفضل مرشد يملكه السيد شطا. فقد رفض مساعدة رجل سعودي لإصرارة على زوجة مراهقة ، وفي حالات أخرى رفض مساعدة أخرين لما أظهروه من إهتمام بالغ بالبطاقة الخضراء ( جرين كارد)

الذين ينجحون في إمتحانه الشخصي ، يقوم بتدوين معلوماتهم في دفتر أسود صغير:أسمائهم و تلفوناتهم ومواصفاتهم و ما يرغبونه من مواصفات (النصف الآخر). بعضهم يفضل "شعر حريري" والبعض الآخر أراد "عذراء" ، بينما أتفقوا جميعاً – رجالاً ونساءً – على رغبة واحدة: التدين والمظهر المقبول والوضع القانوني.

متفحصاً الدفتر ، يقوم الإمام بالإنتقاء بمهارة تضاهي مهارة بائع السيارات. " هناك فتاة ، أمريكية أسلمت ذات أصلول دومنيكية ..تشبه المصريات.. لون بشرتها ليس أبيضاً وليس أسمراً..قمحية ، عمرها 19 عاماً وتدرس المحاسبة." قال السيد شطا ذلك -في عصر ذات يوم- مخاطباً شاباً فلسطينياً يبلغ من العمر 24 عاماً. " أهذا هو خياري الوحيد؟" هتف متسائلاً الشاب الفلسطيني ، يأمل عثمان ، الذي يقيم في كوينز . أسئلة كتلك تزعج السيد شطا. فالإمام ، كما يقول، لابد أن يحظى بالثقة في إختيار أفضل المرشحين. مع ذلك ، كثير من ترشيحات تقابل بالتشكيك. " المسألة أصعب من إختيار (جواهر)الألماس." – يقول السيد شطا.

أحياناً في تلك الإجتماعات الثلاثية ، لايبدو أحد أكثر سروراً من السيد شطا نفسه. فهو يقوم بتقديم ( المرشحين لبعضهما) بشكل مفعم بالعاطفة ، ثم يجلس بعيداً يراقب ، كما لو أنه يخلط عناصر كيميائية في مختبر. وعلى الرغم من الحب نادراً ما يشتعل ، إلا أن الإمام يظل مفعماً بالأمل.

السيد شطا أكتشف الحب منذ 15 عاماً مضت ، عندما دخل إلى صالة أحد أهم البيوت في كفر البطيخ. كان الأمام حينها شاباً طويلاً يبلغ من العمر 22 عاماً ، وكان نجمه في الصعود في المسجد المحلي. لأشهر عديدة لم تعرف منه أميمة الشبراوي سوى صوته ،والذي كان يصلها وهي جالسة في مصلى النساء تستمع إلى خطبة الهادرة. وذات مساء كان يجلس مع والدها ، أحد أبرز قراء القرآن ، متقدماً له يطلب الزواج منها.

توجهت الشابة الصغيرة ، 20 عاماً ، نحو السيد شطا حاملة صحناً وضعت عليه أكواب (الشربات) ، " دخلت قلبي" يقول الإمام وهو يعود بذاكرته إلى تلك اللحظات. بعد أن قدمت لهم الشراب ، غادرت الفتاة مختفية. وعندئذ طلب السيد شطا يدها من والدها، صمت الرجل الكبير لبرهة ، فأبنته هي أجمل فتيات القرية ، تدرس الأدب الإنجليزي وتقدم لها خطاب كثر من الأطباء ، بينما كان السيد شطا حينها معدماً. وقبل أن يرد السيد الشبراوي ، قطع صوت شديد الحلاوة الصمت هاتفاً: " أنا موافقة" ، كان صوت أبنته من وراء الباب. "أحببته من أول لحظة رأيته فيها" تقول السيدة شبراوي، اليوم لديهم أربعة أطفال.

في العام الماضي ، إلتقطت صورة للسيد شطا مع أسرته في بدروماً جهزته المصورة كإستوديو تصوير تلتقط فيه صور جماعية للإسر المسلمة. في الخلفية بدت السماء الزرقاء زاهية ( متناغمة مع) الحاجز الأبيض في الخلف. في المنتصف تماماً يجلس الإمام محتضناً الضغير محمد بينما تبتسم الفتيات الثلاث وتبدو الزوجة ملتحفة حجاباً أخضر ليموني.

يحمل السيد شطا هذه الصورة في الجيب الأمامي لثوبه ، وهذه أقرب مسافة يستطيع الناس الإقتراب فيها من أسرته. فهي بمثابة الإحجية في المسجد ، وزوجته لم تحضر إلى المسجد سوى مرتين.

سنوات الأسرة في الولايات المتحدة مليئة بالصعوبات ، وهي موضوع نادراً ما يتحدث فيه الإمام. فمرض طفلتهم روضة ( 7 أعوام ) والتي تعاني من الصرع الحاد ، وتقاسي عدة نوبات مرضية يومياً ، وهي لذلك لا تغادر المنزل إلا نادراً..خصوصاً وإن خلطات الأدوية لم تثبت جدوى ، "روضة هي جرح قلبي" – يقول الإمام.

يقدم السيد شطا نظريات عديدة في قيم الزواج ، وعندما تراه في منزله تستطيع أن تفهم الإلتزام الأسري الذي يبتغيه لغيره من المسلمين.

تعيش الأسرة في شقة واسعة ذات إضاءة خافته ، و تبعد شارعين عن المسجد. فيها تجد قطع الحجابات متكومة على بطاقات البوكيمان ، وهناك لافته مذهبة كتب عليها " الله أكبر" معلقة على حائط يعلو خلف كنبة قديمة. وعلى جدار الغرفة المجاورة لا تستطيع إلا أن تلاحظ مطبوعة لاصقة كتب عليها " أحبُ نيويورك"

يمضى السيد شطا ساعات طويلة بعيداً عن أسرته ، يلقي فيها المحاضرات في عدد من المساجد ، أو ليحل بعض الخلافات ، أو ليؤذن في أذان المواليد. وعندما يتوجه إلى المنزل ، يتوقف لشراء بعض حاجيات المنزل ، وهو بذلك لا ينسى أبداً شراء " تشيروز بالعسل والمكسرات" – وهو أحد أفضل ما أكتشفه أطفاله في أمريكا.

بمجرد أن يدلف إلى الشقة ، تسترخي عضلات وجهه وترتفع أصوات القبل . وبينما يصرخ الصغير محمد (في مرح)...تبتسم الفتيات ، وترجع الجدران صدى ضحكات حلوة.... إلا أن هناك روضة أو " فتاتي الجميلة" كما وصفها الإمام ذات ليلة وهو يحتضنها بعد أن قاست إحدى نوبات الصرع.

ضع في فمها حبة دواء..ثم أخرى..وتكتفي هي بالنظر إليه في ضعف ، يهمس في أذنها .."يالله..بالشفاء إن شاء الله" ، تغلق الصغيرة عيناها في بطئ...وتغط في النوم.. بينما يضعها برفق على سريرها ويطفي الأنوار ..ويستدير خارجاً في صمت.

الصعوبات كما يعتقد الإمام هي إمتحان من الله. سأل إمراءة – قابلها بالصدفة في مركز لوثرن الطبي – عما إذا كانت قد إنفصلت بعد؟ وعندما هزت السيدة رأسها نافية ، إستطرد قائلاً: " نسأل الله أن ييسر لك أمرك."

غريب ومألوف

ليس ثمة ما يثبت شعبية الإمام بين النساء من أن 300 إمرأة منهن وثقن به ليجد لهن شريك حياة مناسب. فالمسجد على الجادة الخامسة ذو صبغة ذكورية صرفة ، يملئ الرجال فيه كل المناصب القيادية تماماً كما يملئون الأرصفة بعد الصلوات. وهم فقط من يحق لهم دخول قاعة المسجد الرئيسية..كما أن صلاة الجمعة فرض على الرجال فقط.

في الطابق السفلي هناك الغرفة المزدحمة التي تعرف بـ"مصلى النساء" ، في أيام الجمع ، يضغطن بعضهن إلى بعض، تلسعهن حرارة جو الغرفة ، إلا أنهن يصرن على مشاهدة إمامهن في دارة تلفزيونية مغلقة يبدو أنها لم تعدل من زمن بعيد. ويستمعن إليه بخشوع.

المراهقات منهمن غالباً ما يبدين ضجرهن إذا كان هناك إمام غيره ، وكأنهم مخلوقات فضائية. وتشاركهن أمهاتهن المهاجرات ذلك الشعور ، فهن غالباً مايجدن أولئك الشيوخ متشددون يذكرونهن ببلدانهن المحافظة.

السيد شطا يمثل المألوف والغربيب في الوقت ذاته ، فهو في إحدى خطبه يقول أن الرجل هو "سيد البيت وله الحق في إختيار أصدقاء زوجته" ، وفي يوم آخر يدعو ، ولدهشة رواد المسجد من الرجال ، عاملة إجتماعية عربية للتحدث في موضوع العنف المنزلي، وسمح للنساء بالجلوس في قاعة المسجد الرئيسية إلى جانب الرجال.

وبالرغم من أنه يعبس في وجوه النساء ممن تعدين سن الثلاثين بدون زواج ، إلا أنه يمجد إنجازاتهن المهنية إذا ما وجد لهن زوجاً مناسباً – وهو بذلك يوظف نوعاً من حقوق المرأة في عمله في إنجاز عمله في عقود الزواج حيث يتأكد من حصول النساء على صداق معقول ، ويدافع عنهن عندما لايدافعن عن أنفسهن.

ويقضى ( السيد شطا) الساعات مستمعاً لمشاكلهن ، وما يقلقهن ، وأعترافاتهن ، وحتى أسرار علاقاتهن الحميمة ، بالإضافة إلى أسئلة صريحة عن كل شئ: من الحيض وحتى الخيانة. وهن لذا يصطففن خارج مكتبه ، ويتصلن بمنزله على الدوام ، وغالباً مايشرن إليه بأسم " أخي" أو "أبي" ، بينما يستطيع هو سرد أدق تفاصيل حياتهن وبشكل لايمكن وصفه إلا بانه موسوعي.

موعد ومرافق

كان الشاب المصري العازب ، مشروع زواج رائع بأغلب المقاييس. فهو عريض المنكبين ، ذو إبتسامة مرحة لعوبة ، ظريف ويكسب مرتباً جيداً من عمله كمهندس ، بالإضافة إلى أنه من أسرة "جيدة" كما يقول.

إلا أن الإمام كان ينظر إليه بشكل مختلف. كان يرى فيه شاباً على شفا فقدان الهوية الدينية ، ولذلك فالفتاة المناسبة له – كما يرى الإمام – لابد وأن تكون كطوق النجاة.

جاء هذا العازب البالغ من العمر 33 عاماً قبل ستة أعوام من مدينة الإستكندرية في مصر. كان يريد مرتباً أفضل وحياة بعيدة عن نفوذ الوالدين ( ولذا رفض أن يكشف أسمه حتى لايسبب حرجاً لأسرته)

أمريكا ليس كمصر ، حيث لمكن لعلاقات أسرته أن تجد له عملاً جيداً ، فعمل هنا مساعد نادل في مطعم ، وأستبدل مسكن والديه المريح بغرفة مكتضة بآخرين من المهاجرين المصريين. .. وكانت ليالية وحيدة مليئة بالإغراءات التي لاتقاوم.

النساء هنا يكشف أكثر مما يسترن من أجسادهن. فالأطراف المكشوفة في كل مكان. وبالرغم من أن الإسلام يلزم أتباعه بغض الطرف درئاً للخطية ، إلا أن هذا الشاب يؤكد أن فترة الصيف: " كارثة ..خصوصاً مثلي يحملق في النساء طوال الوقت."

قاده حب الإستكشاف إلى الحوانيت والنوادي ، والأنخراط في علاقات الليلة الواحدة.. إلا أن الشعور بالإثم كان رفيق تلك الحرية.

زار مسجد السيد شطا في رمضان العام 2004 ، وتفاجأ ب الإمام الذي يلقي النكات الظريفة ويشرح الإسلام بفقرات بسيطة ومشبعة بالعاطفة. بدأ بالصلاة يومياً وحضور المحاضرات الإسبوعية وقراءة القرآن ، وكونه يملك الآن شقته الخاصة ووظيفة محترمة .. فلم يكن ينقصه إلا زوجة مسلمة.

لو أنه كان في مصر لفتح له والديه نهراً من الفتيات ، فبالرغم من المسافة الشاسعة إلا أن والدته إرسلت إليه شريطاً مصوراً لحفلة زفاف أخيه ، وأقترحت عليه النظر إلى بعض لقطات الضيوف من الفتيات..إلا أنهن لم يثرن إعجابه.

"أنا رجل وسيم" يقول الشاب وهو يلج مدينة منهاتن. هذا هو الموعد الثاني الذي يرتبه له السيد شطا، و هو يؤكد مستطرداً: " لي مواصفات في المرأة التي أريد."

كان الإمام يجلس إلى جواره ، فتح الصندوق الإمامي الصغير ليجد مجموعة من العطور باهظةالثمن. إلتقط إحداها ( كولونيا جيو) ..تأملها ..وبإمائة من رأس الشاب..بدأ الإمام برش رذاذها على ثوبه.

بالرغم من إختلاف كل من الإمام والشاب فيما يتعلق بالمادية ، إلا أنهما إتفقا على شئ واحد: أن من واجب المسلم أن يكون طيب الرائحة...خصوصاً وأن النبي محمد عرف بحبه للمسك.

أبطأت السيارة أمام مبنى مرتفع على الجادة الثانية. صعد الإثنان في المصعد ، لاحقاً أخذ الشاب نفساً عميقاً ثم ضغط زر الجرس. فتحت الباب إمرأة وقفت خلفها فتاة جذابة رفيعة ذات أبتسامة خجولة.

دمت إحدى الخاطبات الفتاة إنجي عبدالقادر إلى الإمام منذ فترة ، إنجي فتاة ذات جمال باهر وتمتلك ثقة عالية في النفس وبدت لاحقاً بدت أقل خجلاً. تعمل إنجي كمحامية هجرة ومدافعة عن حقوق الإنسان ، تتحدث بلهجة قوية بليغة ، فخورة جداً بدينها ، وتلقي محاضرات عامة عن الإسلام والحقوق المدنية.

تقول إنجي (30 عاماً) ، ابنة المهاجرين المصريين ، أنها لم تكن دائماً جريئة. فبالرغم من أنهاكانت تواظب على الصلاة ، إلا أنها لم ترتدي الحجاب عندما كانت في المدرسة الثانوية في ضاحية هريل في ولاية نيوجرسي. غير أن أحداث سبتمبر أيقظتها كما تقول. شعرت – كغيرها من المسلمين – أن عليها واجب تقديم الإسلام الحقيقي الذي يخفيه الإرهابيون و وسائل الإعلام ، فأصبح الحجاب رسالتها التي تساوي به بين التدين والسياسة.

تقول إنجي: "ليس في الحجاب ما يمكن أن يشجع على وصفه بالإضطهاد" ، ثم تستطرد: " كأمرأة مسلمة أريد من الناس أن ينتبهوا لشخصي وليس لمظهري الخارجي"

جلست إنجي إلى الشاب ، وبدأ حديثهما وهما يرشفان فناجين الشاي. تحدثا بالإنكليزية عن مهنتيهما ، وأستغرب الشاب أن تكون إنجي حاصلة على درجة في القانون ، وعلى الرغم من ذلك لا تكسب إلا القليل من المال ، وتسائل لاحقاً: " ماجدوى الإلتحاق بكلية الحقوق إذا لم تمكن المرء من كسب المال؟!"

جلست والدة الفتاة وامرأة أخرى قريباً منهما ، تستمعان إلى حديثهما.. إلا أن الإمام تدخل لشغلهما عن النقاش الدائر ، وبدأت بوادر التأزم بالظهور.

عندما عادا للحديث أخبر الشاب إنجي أن حلمه هو أن يشتري منزلاً بنصف مليون دولار ، إلا أن لم يكن متأكداً – كما قال – ماإذا الرهن العقاري ( مورقجز) جائزاً في الإسلام. فأعتدلت الفتاة في جلستها وهي تقول: "أفضل جزاء الآخرة على العيش في منزل أو شقة برهن عقاري."..عندها فقط تفجر الجدال..إرتفعت الأصوات. قامت والدة إنجي بسحبها جانباً ، و بينما لزم الشاب موضعه حاول الإمام تهدئة الموقف.

كان الإمام محتاراً بحق. فهاهنا إمرأة نشأت في بيوت الضواحي الجميلة والسيارات الجديدة ثم إنها ترفض المادية برمتها. وهنا أيضاً هذا الشاب الذي نشأ في بيئة إسلامية ، إلا أنه حداثي بشكل طاغ.

بعد أن غادرا المبنى ..هتف الشاب: " أنا أريد أمرأة.. وليس شيخاً" ، وتزوج بعدها بعدة شهور من مهاجرة أخرى لم تكن تلك متدينة إلا أنها – كما يقول – تستطيع إسعاده. الآنسة إنجي لا تزال غير متزوجة.. ولا يزال الشيخ يعتقد أنها كانت أفضل الخيارات.

في ذلك المساء ، وقف الإمام على الرصيف خارج المبنى ، وقد بدأت قطرات المطر تهطل بتسارع. تمتم في صوت هامس: "لم أكن أريد أن أكون شيخاً." ..يصمت لبرهة ثم يواصل حديثه: "كنت أعتقد أن الشخص المتدين إنسان متشدد لايبتسم.. وأنا رجل أحب الإبتسام وأحب أن أضحك. كنت أعتقد أن المتدينين أناس منعزلين ، وأنا رجل أحب أن أكون بين الناس."

بللت قطرات المطر ثوبه..قبل أن يدلف إلى المبنى وهو يستطرد: " تفاجأت عندما علمت أن صفات البساطة والمرح والقرب من الناس هي أهم الصفات في أي شئ. الناس تحب من يبتسم ويضحك ، والناس تريد من يعيش بينهم ويعرف آلامهم.. وأنا أعرفهم.."

.. يصمت لبرهة ثم يقول: ".. تماماً كما يعرف الأخ أخاه"